📁 آخر الأخبار

أفكار حول الديداكتيك في المنهاج المغربي

 



إعداد : الحسن اللحية


 

 

 

1. تعريف الديداكتيك:

·         الديداكتيك مشتق من الفعل didaskein: علم.

·          الديداكتيك هو ديداكتيك تخصص معين، هو تأملات ومقترحات حول منهجيات تدريس تخصص قصد تحصيل المعارف وتملكها.

·              قد يرادف الديداكتيك في بعض التصورات البيداغوجية. ويرى أصحاب هذا الاتجاه أن الأولوية يجب أن  تعطى للمحتوى وضرورة استعمال طرائق بيداغوجية تتماشى والتخصص أو المادة المدرسة. فالرياضيات مثلا يختلف تدريسها عن اللغة العربية. وبهذا المعنى يمكن الحديث عن الديداكتيك دون إغفال هم الكمال المنهجي: التفسير المنهجي لفن أو لعلم مصحوب بهم التفسير الواضح. وقد يشمل الديداكتيك كل ما يستهدف التكوين وتقديم النصائح بشكل نسقي فتجوز بذلك أنماط خطابات أخرى كخطاب الأسطورة أو الحكاية للشرح والتوضيح.

·              يشير الديداكتيك إلى الطرق والتقنيات المستعملة في التدريس الخاص بمادة أو تخصص معين. كما يفيد التفاعلات التي قد تتحقق في وضعية تعلمية –تعليمية بين معرفة محددة ومدرس لتلك المعرفة وتلميذ يتلقاها.

·              الديداكتيك تعاقد ضمني بين المدرس والتلاميذ.

·              الديداكتيك مجموعة من التقنيات الخاصة بالتعليم والبيداغوجيا.

·              يدرس الديداكتيك سيرورة النقل وتملك المعارف بغاية تحسينها. كما يدرس الشروط التي يتعلم أو لا يتعلم فيها الأفراد مركزا على المشاكل النوعية التي تعود للمحتوى والمهارة المراد اكسابها[1].

·              يدرس الديداكتيك في تصوره المعاصر التفاعلات التي يمكن أن تتحقق في وضعية تعليمية تعلمية بين معرفة محددة ومدرس لهذه المعرفة والتلميذ كمتلق لها.

 

2. أنواع الديداكتيك:

الديداكتيك أنواع كثيرة منها:

§         الديداكتيك العام: يهتم بالتكوين الديداكتيكي الأولي للمدرسين والدراسة العلمية لشروط خصائص الفعل التدريسي في علاقته بفعل التعلم.

§         الديداكتيك الاختباري: يهتم بالمعارف والممارسات الميدانية المتراكمة خلال التكوينات  لتوجيه ما ينبغي القيام به فعلا؛ لذلك يعتبر موضوع نظريات الخبراء.

§         الديداكتيك المعياري: هو وصف لأنشطة المدرسين بغاية الوقوف على التجديدات وتقويم الشروط الممكنة المؤثرة في تحصيل التلاميذ.

§         الديداكتيك الأساسي: هو دراسة علمية لشروط الإنتاج والتواصل المعرفي المرتبط بالمعرفة المدرسة خاصة. فهو من جهة ثانية رؤية تأملية للنسق الديداكتيكي برمته.

§         ...إلخ.  

خلاصة:

إن الديداكتيك ليس تخصصا حديث العهد لأنه التفكير أو التأمل النسقي في التعلم: كيف نعلم هذا الشىء؟ يتكون الديداكتيك من مثلث أضلاعه هي: المعرفة والمتعلم والمدرس الذي تنجم عنه القضايا التالية:

أ. قضايا إبيستمولوجية: تتمثل في النقل الديداكتيكي، وتعني التغييرات التي تطرأ على المعرفة العالمة لتصير موضوع التعليم؛

ب. قضايا سايكولوجية: تتمثل في التمثل الذي يعني الطريقة التي سيتلقى من خلالها المتعلم المعرفة أو تصورا معينا أو العملية الذهنية التي سيعالج بها المعلومة؛

ج. وضعية التكوين: تشمل التعاقد الديداكتيكي الذي يعني مجمل القواعد الضمنية المهيمنة على علاقة المدرس بالمتعلم.

هناك رغبة معبرعنها تتمثل في جعل الديداكتيك الطريقة الأكثر نجاعة في التدريس مما يجعله يدخل مجال السجالات والنقد والشك. فمن وجهة نظر فلسفية تحوم الشكوك إبستيمولوجيا حول موضوعية الديداكتيك وتصوراته البيداغوجية ومسلماته الأخلاقية والسياسية. فالمعلوم أنه لا وجود لتقنية تدريسية أو طريقة في التدريس أو ملاحظة للقسم أو لوضعيات القسم محايدة بيداغوجيا.

والنقاش الثاني الدائر حول الديداكتيك يتمثل في إمكانية وجود ديداكتيك عام وديداكتيكات خاصة يرمي الديداكتيك العام إلى ضمها: ثنائية الخاص والعام.

 

3. الأهداف الديداكتيكية للمنهاج الدراسي المغربي:

 

النص1:

106- تتجه مراجعة البرامج والمناهج، نحو تحقيق الأهداف الآتية:

أ - تعميق الأهداف العامة وتدقيقها بالنسبة لكل سلك وكل مستوى للتربية والتكوين، في إطار الدعامة الرابعة من الميثاق، في صيغة مواصفات للتخرج ومؤهلات مطابقة لها؛

ب - تحقيق الجذوع المشتركة والجسور داخل نظام التربية والتكوين وبين هذا الأخير والحياة العملية؛

ج - صياغة أهداف تكميلية وتجديدها وتحليلها بما يستجيب لحاجات المتعلمين ومتطلبات الحياة المعاصرة, وبما ينتظره الشركاء من التربية والتكوين؛

د - مراعاة المرونة اللازمة للسيرورة التربوية وقدرتها على التكيف وذلك:

·          أولا: بتجزيء المقررات السنوية إلى وحدات تعليمية يمكن التحكم فيها على مدى فصل بدل السنة الدراسية الكاملة إلا عند الاستحالة[2]؛

·          ثانيا: الحفاظ على التمفصل والانسجام الإجمالي لكل برنامج مع مراعاة الأهداف المميزة لكل مرحلة من مراحل التعليم والتعلم التي يعنيها.

هـ - وضع برامج تعتمد نظام الوحدات المجزوءة، انطلاقا من التعليم الثانوي، لتنويع الاختيارات المتاحة وتمكين كل متعلم من ترصيد المجزوءات التي اكتسبها[3]؛

و - توزيع مجمل الدروس و وحدات التكوين و المجزوءات من التعليم الأولي إلى التعليم الثانوي على ثلاثة أقسام متكاملة:

·          قسم إلزامي على الصعيد الوطني في حدود 70 في المائة من مدة التكوين بكل سلك؛

·          قسم تحدده السلطات التربوية الجهوية بإشراك المدرسين في حدود 15 إلى 20 في المائة من تلك المدة، وتتضمن بالضرورة تكوينا في الشأن المحلي وإطار الحياة الجهوية؛

·          عدد من الاختيارات تعرضها المدرسة على الآباء والمتعلمين الراشــــدين، في حـــدود حوالي 15 في المائة، وتخصص إما لساعات الدعم البيداغوجي لفائدة المتعلمين المحتاجين لذلك، أو لأنشطة مدرسية موازية و أنشطة للتفتح بالنسبة للمتعلمين غير المحتاجين للدعم[4].

ز - إدخال مقتضيات الدعامة التاسعة من الميثاق المتعلقة بتعليم اللغات إلى حيز التنفيذ.

الميثاق الوطني للتربية والتكوين

 

النص2:

119 -سعيا لتحقيق التوظيف الأمثل للموارد التربوية ولجلب أكبر فائدة ممكنة من التكنولوجيات الحديثة, يتم الاعتماد على التكنولوجيات الجديدة للإعلام والاتصال وخاصة في مجال التكوين المستمر. ولا يجوز  بأي حال من الأحوال أن يقع أي خلط بين السعي إلى هذا الهدف وبين التصور الشامل للوسائط التكنولوجية وكأنها بديل عن العلاقة الأصيلة التي يقوم عليها الفعل التربوي, تلك العلاقة الحية القائمة بين المعلم والتلميذ والمبنية على أسس التفهم والاحترام. ونظرا للأبعاد المستقبلية لهذه التكنولوجيات سيستمر استثمارها في المجالات الآتية, على سبيل المثال لا الحصر:

·          معالجة بعض حالات صعوبة التمدرس و التكوين المستمر بالنظر لبعد المستهدفين وعزلتهم؛

·          الاستعانة بالتعليم عن بعد في مستوى الإعدادي والثانوي في المناطق المعزولة؛

·          السعي إلى تحقيق تكافؤ الفرص, بالاستفادة من مصادر المعلومات, وبنوك المعطيات, وشبكات التواصل مما يسهم, بأقل تكلفة, في حل مشكلة الندرة والتوزيع غير المتساوي للخزانات والوثائق المرجعية.

ومن هذا المنظور, ستعمل السلطات المكلفة بالتربية والتكوين, في إطار الشراكة مع الفعاليات ذات الخبرة، على التصور والإرساء السريعين لبرامج للتكوين عن بعد, وكذا على تجهيز المدارس بالتكنولوجيات الجديدة للإعلام والتواصل, على أن يتم الشروع في عمليات نموذجية في هذا المضمار، ابتداء من الدخول المدرسي والجامعي 2000 – 2001، من أجل توسيع نظامها تدريجيا[5]

 

120 – تعمل كل مؤسسة للتربية والتكوين على تيسير اقتناء الأجهزة المعلوماتية ومختلف المعدات والأدوات التربوية والعلمية عن طريق الاقتناء الجماعي بشروط امتيازية, لفائدة الأساتذة والمتعلمين والإداريين.

121 - حيث إن التكنولوجية التربوية تقوم بدور حاسم ومتنام في أنظمة التعليم ومناهجه، وبناء على محتوى المادة 119 أعلاه، تعمل سلطات التربية والتكوين على إدماج هذه التقنيات في الواقع المدرسي، على أساس أن يتحقق لكل مؤسسة موقع معلومياتي وخزانة متعددة الوسائط، في أفق العشرية القادمة، بدءا من السنة الدراسية 2000-2001.

الميثاق الوطني للتربية والتكوين

 

النص:

§    [...] العلاقة التفاعلية بين المدرسة والمجتمـع، باعتبار المدرسة محركا أساسيا للتقدم الاجتماعي وعاملا من عوامل الإنماء البشري المندمج؛

§    وضـوح الأهداف والمرامي البعيدة من مراجعة مناهج التربية والتكوين، والتي تتجلى أساسا في:

- المساهمة في تكوين شخصية مستقلة ومتوازنة ومتفتحة للمتعلم المغربي، تقوم على معرفة دينه وذاته، ولغته وتاريخ وطنه وتطورات مجتمعه؛

- إعداد المتعلم المغربي لتمثل واستيعاب إنتاجات الفكر الإنساني في مختلف تمظهراته ومستوياته، ولفهـم تحولات الحضارات الإنسانية وتطورهـا؛

- إعداد المتعلم المغربي للمساهمة في تحقيق نهضة وطنية اقتصادية وعلمية وتقنية تستجيب لحاجات المجتمع المغربي وتطلعاته.

§    استحضار أهم خلاصات البحث التربوي الحديث في مراجعة مناهج التربية والتكوين باعتماد مقاربة شمولية ومتكاملة تراعي التوازن بين البعد الاجتماعي الوجداني، والبعد المهاراتي، والبعد المعرفي، وبين البعد التجريبي والتجريدي كما تراعي العلاقة البيداغوجية التفاعلية وتيسير التنشيط الجماعي؛

§    اعتماد مبدإ التوازن في التربية والتكوين بين مختلف أنواع المعارف، ومختلف أساليب التعبير (فكري، فني، جسدي)، وبين مختلف جوانب التكوين (نظري، تطبيقي عملي)؛

§    اعتماد مبدإ التنسيق والتكامل في اختيار مضامين المناهج التربوية، لتجاوز سلبيات التراكم الكمي للمعارف ومواد التدريس؛

§    اعتماد مبدإ التجديد المستمر والملاءمة الدائمة لمناهج التربية والتكوين وفقا لمتطلبات التطور المعرفي والمجتمعي؛

§    ضرورة مواكبة التكوين الأساسي والمستمر لكافة أطر التربية والتكوين لمتطلبات المراجعة المستمرة للمناهج التربوية؛

§    اعتبار المدرسة مجالا حقيقيا لترسيخ القيم الأخلاقية وقيم المواطنـة وحقوق الإنسان وممارسة الحياة الديموقراطية.[...].

§    الانطلاق من اعتبار المعرفة إنتاجا وموروثا بشريا مشتركـا؛

§    اعتبار المعرفة الخصوصية جزءا لا يتجزأ من المعرفة الكونية؛

§    اعتماد مقاربة شمولية عند تناول الانتاجات المعرفية الوطنية، في علاقتها بالانتاجات الكونية مع الحفاظ على ثوابتنا الأساسية؛

§    اعتبار غنى وتنوع الثقافة الوطنية والثقافات المحلية والشعبية كروافد للمعرفة؛

§    الاهتمام بالبعد المحلي والبعد الوطني للمضامين وبمختلف التعابير الفنية والثقافية؛

§    اعتماد مبدإ التكامل والتنسيق بين مختلف أنواع المعارف وأشكال التعبير؛

§    اعتماد مبدإ الاستمرارية والتدرج في عرض المعارف الأساسية عبر الأسلاك التعليمية؛

§    تجاوز التراكم الكمي للمضامين المعرفية المختلفة عبر المواد التعليمية؛

§    استحضار البعد المنهجي والروح النقدية في تقديم محتويات المواد؛

§    العمل علىاستثمار عطاء الفكر الإنساني عامة لخدمة التكامل بين المجالات المعرفية؛

§    الحرص على توفير حد أدنى من المضامين الأساسية المشتركة لجميع المتعلمين في مختلف الأسلاك والشعب؛

§    الاهتمام بالمضامين الفنية؛

§    تنويع المقاربات وطرق تناول المعارف؛

§    إحداث التوازن بين المعرفة في حد ذاتها والمعرفة الوظيفية.

الكتاب الأبيض، الجزء الأول

خلاصات:

يرمي المنهاج الدراسي إلى أن يكون:

·           واضح الأهداف التي ينبغي احترامها من قبيل جميع المعنيين بتفعيله؛

·           يقوم على تفاعل المدرسة والمجتمع؛

·           متجدد باستمرار حتى يستوعب التحولات والتطورات؛

·           متوازن بين النظري والتطبيقي؛

·           مرن من حيث السيرورة التربوية حتى يتكيف مع الخصوصيات؛

·           متمفصل في مكوناته حتى يتحقق مبدأ تداخل التخصصات؛

·           منسجم من جهة منطقه الداخلي؛

·           مدمج للتكنولوجيات الجديدة كأفق عام للتجديد التربوي في مجال البرانم التربوية؛

·           منهاج وحداتي ومجزوءاتي تفرض تصورات جديدة في بنائه بدل التخصصات ومنطق المواد؛

·          ...إلخ.

ملحوظة:

نستنتج أن هذه الأهداف التي سطرها المنهاج المغربي لنفسه كما وردت في الوثائق الرسمية تصلح لتكون منطلقات ديداكتيكية عامة له.

 

 



[1]  أنظر موسوعة الكفايات ،مادة الديداكتيك . أنظر كذلك:

- le petit larousse 1996

- Vergnaud.g, qu’est-ce que la didactique ? revue Education permanante numero 111

 

[2] من مميزات الإصلاح الحالي في العالم هو تنبني نظام المجزوءات بدل الدروس والفصول بدل السنة الدراسية.

 

[3] من مميزات هذا الإصلاح العولمي كذلك تبني نظام الترصيد في الجامعات ؛ وذلك من المستجدات العالمية.

[4] تفسر هذه الفقرة نظام التقويم الجديد. نشير إلى صدور قوانين منظمة لامتجانات الشهادة الابتدائية والاعدادي الثانوي وشهادة الباكالوريا .وكل هذه المستجدات مصحوبة بالإطارات المرجعية.

[5] لعل أهم ما تنص عليه الإصلاحات العالمية هو إدخال التكنولوجيات الجديدة إلى المدرسة. وفي الحالة المغربية يمكن التذكير بتزويد المدرسة المغربية بالحواسب، وتخريج أساتذة للإعلاميات والعمل ببرنامج جني وأنتل وألف. وأما لماذا تتبنى جميع الإصلاحات العالمية هذا التوجه فيمكننا إجمال ذلك فيما يلي:

1994 (يونيو)

نشرت ERT إ.ر.ت تقريرا عن الطرق السيارة المعلوماتية وكانت تهدف منه إلى استعمال شبكات المعلوميات كأداة لتعليم وتكوين جميع الشباب بغية إعطاء بعد دولي للتعليم.والغاية القصوى من ذلك هي تحرير قطاع الاتصالات لتحقيق الأهداف التالية:

1- شاشة العمل

2- التعليم عن بعد

3- شبكة جامعية للبحث

4- تدبير قرصنة الطرق السيارة للأنترنيت

5- إنشاء شبكة الصحة

6- طلبات العروض الالكترونية

8- إنشاء شبكة إدارية عبر الدول الأوربية للإدارات العمومية

9- طرق سيارة حضرية للمعلوميات

وقد تأكد أن تمويل هذه المشاريع سيكون من طرف القطاع الخاص. وتؤكد مجموعة السبع في هذا السياق الخوصصي للتعليم أن مجتمع الإعلام يلزم الصناعة بمسؤولية التكوين و إقرار المجموعة بالتعليم المستمر أو بتعلم التعلم عن طريق البرانم التربوية في أوربا.

 1994

مناظرة بوينس أيرس حول تنمية الاتصال والإعلام، وحيث الخلاصات سيؤخذ بها في مجموعة السبع.

1995( فبراير)

بمناسبة اجتماع مجموعة 7 (G7) ببروكسيل نشرت إ.ر.ت تقريرا جديدا حول التربية في أوربا مستهدفة تحقيق مجتمع يستجيب للتنافسية يقوم على المعرفة والكفاية، وحيث المسؤولية منذ تلك اللحظة ستلقى على عاتق الصناعة. واعتبرت منذ ذلك الحين التربية خدمة مقدمة في العالم الاقتصادي، بل إن التربية تستهدف التعلم وليس التعليم.ويرى التقرير بأنه لا وقت للضياع بالنظر لضغط المنافسة. ولاحظ أن التعليم لا يتكيف بسرعة مع الثورة التكنولوجية؛ لذا وجب أن يحتل التعليم أولوية سياسية.

هكذا سيعمل التعليم عن بعد على محو سلبيات التغيبات عن العمل والتنقلات.ثم إن طرق التعليم وأدواته ستتجدد لتشجيع التعلم الذاتي إلى بلوغ المعادلة التي تجعل كل تلميذ مكتف بحاسوبه.

وأما فيما يتعلق بالمبادئ العامة فقد تمكنت مجموعة السبع من تحديد ثمانية مبادئ أساسية لبلوغ المجتمع الشمولي للمعلوميات، وهي على التوالي:

1- الرفع من المنافسة الدينامية

2- تشجيع الاستثمار الخاص

3- تحديد إطار منظم للنمو

4- تسهيل الوصول المفتوح إلى الشبكات الأنترنيت

5- تأمين شمولية العرض وبلوغ الشبكات

6- الرفع من تكافؤ الفرص بين المواطنين

7- الرفع من تعددية المحتويات وتعددية الثقافات واللغات

8- الاعتراف بالتعاون العالمي بما في ذلك الدول الأقل تطورا

وقد تمخضت عن القمة عدة مشاريع منها:

1- جرد المشاريع المتعلقة بالطرق السيارة في العالم

2- وضع احتمالات شبكات ذات تغطية واسعة

3- إنشاء مكتبات إلكترونية

4- إنشاء متاحف و معارض للفنون إلكترونيا

5- تدبير الموارد الطبيعية والبيئية

6- التدبير الشمولي لوضعية الأزمة

7- الإدارة الإلكترونية (...)

 

ألحت ERT على التكوين المتعدد والتكوين مدى الحياة وتشجيع البرانم الأوربية التربوية. وعلى الفرد أن يثبت كفاياته بعيدا عن المدرسة وباستقلالية سواء أكان حائزا على دبلوم أم لا، وحيث للجميع الحق في بطاقة شخصية للكفايات مثبتة صلاحيتها. والتعليم الجديد أطلق عليه اكتساب المعارف بعين المكان.

وجاء في أحد التقارير الصادرة عن ERT في سنة 1995 تحت عنوان "التربية في أوربا: نحو مجتمع يتعلم" أن مسؤولية التكوين ينبغى أن تضطلع به الصناعة بصفة نهائية. ولاحظ التقرير أن عالم التربية لم يستوعب بما فيه الكفاية الشركاء المناسبين، وعلى جميع الحكومات أن ترى إلى التربية كسيرورة من المهد إلى اللحد.

1995(نهاية)

نشرت اللجنة الأوربية ببروكسيل الكتاب الأبيض حول التربية والتكوين المعنون ب"التدريس والتعلم: نحو مجتمع المعرفة".

صدر الكتاب الأبيض حول التربية والتكوين في 29 نونبر1995، وهوكتاب يقترح تحليلا وتوجهات عملية في مجالات التربية والتكوين، مستحضرا النمو والمنافسة والشغل، داعيا الدول الأوروبية إلى الاستثمار في الاقتصاد اللامادي، أي الاستثمار في الذكاء، معتبرا أن هذا الاقتصاد يلعب دورا أساسيا في الشغل والمنافسة والتماسك الاجتماعي.وقد حث الدول الأوربية على تنفيذ بعض المبادرات منذ1996 من قبيل تشجيع تحصيل المعارف الحديدة و تقريب المدرسة من المقاولة والصراع ضد الطرد من المدرسة والتحكم في ثلاث لغات أوربية...

ولاحظ الكتاب الأبيض أن ظاهرة البطالة التي لم تجد معها الحلول المقترحة نفعا لما أصبحت دائمة ومستمرة ولا تفضي إلا إلى العزل والطرد. وأما التربية والتكوين فهما لا يهتمان بهذا الموضوع و إن اهتما به فلا يعني أنهما سيقضيان على أزمة البطالة بمفردهما.وليس للدول الأوربية من خيار إن أرادت أن تبقي على مكانتها بين الدول من الاستمرار في المجهودات المنجزة في الاندماج الاقتصادي عن طريق الاستثمار في المعرفة والكفاية.

ينطلق الكتاب الأبيض من وضعية المواطن الأوربي، شابا أو راشدا، الذي يواجه مشكل التكيف مع الشروط الجديدة لبلوغ الشغل وتطور العمل.والملاحظ أن هذا المشكل يمس جميع الشرائح الاجتماعية والمهن و الحرف. فعولمة المبادلات وشمولية التكنولوجيات، وبالتحديد مجيئ مجتمع الإعلام قد ضاعف من حظوظ الأفراد للحصول على المعلومات والمعارف، لكن هذه الظواهر كلها دفعت المجتمعات إلى دخول مرحلة تحولت فيها الكفايات المكتسبة وأنظمة العمل.

يتطلب الأمر، في نظر الكتاب الأبيض، مجهودا كبيرا لتكيف الأفراد والمجتمعات المستقبلية. وستكون في مجتمعات المعرفة الأنظمة التربوية وجميع الفاعلين في التكوين، وبشكل خاص الشركاء الاجتماعيين هم من سيمارسون مسؤولياتهم و التفاوض الجماعي من أجل جعل الغد عالم العمل.

لا شك أنه بواسطة التربية والتكوين المؤسساتيين والتكوين في المقاولة والتكوين غير المهيكل يستطيع الأفراد التحكم في مستقبلهم.وقد كانت التربية والتكوين عاملين محددين لتكافؤ الفرص، والاستثمار في اللامادي يرفع من قيمة الموارد البشرية ويرقي المنافسة الشاملة.

إن الوضع الذي سيكون عليه الفرد في فضاء المعرفة والكفاية سيكون وضعا حاسما.فالقدرة على التجديد ترتبط بالعلاقات القائمة بين إنتاج المعرفة في البحث ونقلها عن طريق التربية والتكوين. وأخيرا يأتي التواصل سواء لإنتاج الأفكار أو لتداولها.ولهذا ينبغي الوصول إلى مستوى يتحدد فيه مستوى الكفاية المراد بلوغها بالنسبة لكل شخص وحيازة أداة لقياس الأداء الفردي.ولذلك يجب أن يستغل الفرد جميع الفرص المتاحة التي تسمح له بتحسين مكانته في المجتمع.

1- الرهانات

هناك ثلاث صدمات قوية حولت بعمق سياق النشاط الاقتصادي ووظائفية المجتمعات، وهي على التوالي دخول المجتمعات عصر المعلومة وتطور الحضارة العلمية والتقنية وعولمة الاقتصاد، وهي كلها تدفع المجتمعات نحو المعرفة. و ركوب المخاطر يمكنه أن يجلب حظوظا معينة.

وإن بناء مجتمع المعرفة يعني التركيز على الثقافة العامة من جهة، وتنمية الاستعداد للشغل والنشاط. كما يتوقف كذلك على الطريقة التي سيتبعها الفاعلون ومؤسسات التربية والتكوين.

ويخلص الكتاب الأبيض إلى أن أوربا دخلت مرحلة تحول نحو شكل جديد للمجتمع نتيجة تلك الصدمات.

لا شك أن الثورات المعلومياتية والتواصلية ستكون لها انعكاسات عميقة على الشغل والعمل، وذلك بتحويل طبيعة العمل وتنظيم الإنتاج.وهي أمور تعمل على تحويل وتغيير المجتمع. وهكذا انمحى الإنتاج العمومي لصالح الإنتاج الفارقي أو المتنوع، والعمل المأجور المكتمل إلى مدد، ثم علاقات الإنتاج وشروط العمل تغيرت بدورها، واتجه تطور المقاولة نحو الليونة واللاتمركز. ثم هناك البحث عن المرونة   وتنمية شبكات التعاون وتطوير العمل الجماعي...

ثم إن تكنولوجيا الإعلام ساهمت في اختفاء الأعمال الروتينية المتكررة التي كانت تبرمج أوتوماتيكيا. وصار العمل ينبني على مهام تتطلب المبادرة والتكيف.و سهلت التكنولوجيات لا تمركز المهام وانتظامها في شبكات تواصلية متفاعلة على المستوى القاري والعالمي.

لقد دخلت تكونولوجيا المعلوميات في الأنشطة المرتبطة بالإنتاج كما في أنشطة التربية والتكوين، وبهذا المعنى فهي تعمل على خلق تقارب بين طرق التعلم و طرق الإنتاج، حيث صارت وضعيات العمل ووضعيات التعلم إن لم تكن متقاربة فإنها متطابقة من منظور القدرات المعبأة من أجل ذلك.

لقد سبق وأن شجعت مجموعة G7 ببروكسيل سنة 1995 على أنتاج برانم تربوية، وذلك ما يثبت أن تكنولوجيا المعلوميات ستغير من أنماط التعليم بإدخالها لعلاقة جديدة بين المدرس والمتعلم.

يدخل مجتمع المعرفة عن طريق الأنترنيت ثورة في علاقات المقاولات والباحثين والجامعات رغم المخاوف العديدة المرتبطة بالمرتكزات التاريخية والجغرافية والثقافية.

وتفاديا لما قد يحصل صدر إثر اجتماع مجموعة 7 حول مجتمع المعرفة ضرورة الانخراط الأوربي في إنتاج برانم تربوية عبر SOCRATE وLEONARDO لتعزيز التكوين الأولي. وبالموازاة مع ذلك تم ضبط طريقة لتقييم التأهيلات مهما كانت أنواع التحصيل وتنمية القدرات لكل فرد للاستجابة الواسعة لحاجيات الأفراد و المقاولات وهي مقاربة منفتحة ومرنة تشجع على التكوين مدى الحياة والتحصيل المستمر للكفايات.

ولكي يمارس كل فرد من الأفراد مسؤوليته في بناء تأهيله ينبغي أولا أن يندمج بسهولة كبيرة في أنظمة التكوين المؤسساتية وأن المرونة بين مختلف المسالك يجب أن تكون واسعة وكثيفة. وذلك إما بالحصول على الدبلومات أو توسيع أعدادها.

وأما الكتاب الأبيض فيقترح طريقا ثالثا يؤزم الدبلومات ويسمح، على العكس من ذلك، بالتحكم في الجودة وذلك من خلال الكفايات الجزئية وهو ما يجعل النظام التعليمي مشجعا لينمي الكفايات.

لا يتعلق الأمر هنا بالتأهيل في معناه الواسع ولكن بالكفايات ( كفايات ومعارف أساسية أو مهنية خاصة). كما أن هذا البحث الخاص بالكفايات الجزئية الذي يهم الكبار الذين يتعلمون بعيدا عن التعليم الرسمي الصفي عن طريق الإعلاميات مثلا ودفعهم إلى تعميق تعلمهم.

إذن يمكن اكتساب المعرفة والكفاية سواء في التعليم النظامي أو بشكل آخر. وما يجعل سيرورات التكوين ناجعة أكثر هي الوظائفية الشبكية التي قد تكون شبكة تكوين مؤسساتية مثل الجامعات الشعبية والثانويات التعاونية إلخ...والحاصل أن التكوين بالنسبة للأوربي سيكون أينما أراد هو بالفندق أو المطعم.

واقترحت اللجنة الخاصة بالتنافسية تأسيس مراكز لمصدر المعارف لتأمين ازدواجية نسقين بين عرض وطلب المعلومة حول التكوين.ويفترض هذا الأمر من جهة ثانية وضع خطة لتقويم التكوينات المستقلة التي تتم خارج الأنظمة التربوية. وعليها أن تكون بسيطة لا تستبعد التراتبية والمقارنة الواضحة، مساهمة في الإسهام الواقعي للتكوين استعدادا للشغل. وسيكون من المهم كذلك تقويم مساهمة التكوين في الحد من تجزيئ سوق الشغل بتشجيع النساء على الاندماج في مهن ظلت حكرا على الرجال كالمجال التكنولوجي مثلا. وأخيرا فإن تكوينا مثل هذا التكوين يرفع حاجز التوجيه كحاجز أول.

لم يغفل الكتاب الأبيض الحركية المهنية للأفراد سواء تعلقت بالأجراء أو المدرسين أو الباحثين، ولكن كذلك العاطلين و الأشخاص الذين هم في طور التكوين والطلبة.

إن ولوج أوربا مجتمع المعلومة وتحولات المحتوى كما هوحال تنظيم العمل يفرض وباستعجال تحسين شروط وصول العمال إلى التكوين ولا ينبغي اختزاله في تكيف بسيط مع منصب شغل جديد.

فالرهان مزدوج تربوي وصناعي. ويجب على المدرسين أن يتكيفوا مع التكنولوجيات الجديدة وما تحمله وهي تتبنى المقاربات البيداغوجية الجديدة. فما يلاحظ أن ولوج التكنولوجيات الجديدة للمدرسة يظل بطيئا لأسباب منها عدم جودة المنتوجات البيداغوجية المتوفرة إلى حد الآن لتحفيز المدرسين على اللجوء إلى تعدد الوسائط. ومن هنا تأتي أهمية تطوير البرانم التربوية. ثم إن المدرسين لا يتوفرون على التجهيزات الكافية في قوتها وجودتها، ولم يتلقوا تكوينا كافيا لاستعمال التكنولوجيات المتعددة الوسائط.

كما أن الكتاب الأبيض لاحظ تفاوتات كثيرة في اللجوء إلى التكوين على مستوى سوق الشغل ولذلك ينبغي أن تستغل الامكانات التي يقدمها مجتمع المعرفة كليا للتقليص من تلك التفاوتات.

وهكذا تبرز أهمية التعليم المفتوح أو التعليم عن بعد كما أشار إلى ذلك البرلمان الأوربي في يوليوز 1993.

يكون الفرد في مجتمع المعرفة في حاجة إلى التصديق على الكفايات الأساسية أو المهنية سواء توفر على دبلوم أم لم يتوفر عليه مثل تجربة ممارسته للحصول على رخصة للسياقة ( اختبار TEFL و Kangourou ). وقد يهم هذا الأمر بعض المعارف مثل اللغات والرياضيات والإعلاميات إلخ...ومعارف تقنية تؤشر عليها المقاولة مثل المحاسبة... ومعارف عرضية مثل القدرة على أخذ القرار.

ينبغي أن تتكيف الأنظمة التربوية والتكوين وتتحسن وتتعزز في إطار الشراكات لأنه لا المدرسة ولا المقاولة بمعزل كل واحدة عن الأخرى أو لوحدها قادرة على تنمية الكفايات الضرورية والاستعداد للعمل.

نجد في الطفولة المبكرة التعاون القائم بين المدرسة والعائلة لتأمين تحصيل دراسي جيد. وأما فيما بعد فإن هذا التعاون ينبغي أن يتم بين المؤسسات التعليمية والمقاولة.  وهو المأمول عن طريق إبرام شراكات بين المؤسسات التعليمية والمقاولات.

إن الرهان الدائر بين المؤسسات التعليمية والمقاولات يتمثل في قبول المقاولات كشريك بحصة كاملة في التكوين لأن المقاولة تنتج المعارف والمهارات الجديدة؛ لذا على بيداغوجيا المؤسسات التعليمية أن تنمو و تتطور في الاتجاه التعاوني. 

 و نتيجة ذلك أننا نلاحظ دينامية إقليمية- ترابية تتأسس على التعاون وتبادل المعلومات والتعلمات بين مؤسسات البحث والمقاولات والمؤسسات التعليمية ولا تمر عبر السوق مورطة الدولة والجماعات المحلية وجميع الفاعلين المعنيين، واضعة بعين الاعتبار تهيئ الأفراد لسوق الشغل.

كما نلاحظ من جهة ثانية شبكات تعبئ جميع الفاعلين في التنمية المحلية بمن فيهم النسيج الجمعوي. هكذا صار المحلي الموضوع المفضل لإدماج الساكنة المهمشة ومجالا حاسما لتعميم التكوين المهني وتعزيز التماسك و فضاء لتنمية الشبكات المحلية لتبادل المعارف. ومجالات التبادل من جهة أخرى متنوعة كالدعم المدرسي و محاربة الأمية والفشل الدراسي، وهي تجارب كلها تقوم على استلهام تدبير الكفايات وتتأسس على الإعلاميات.

2-طرق المستقبل

إن المشكل العويص الذي يفرضه الشغل في ظل اقتصاد دائم التحول يجعل الأنظمة التربوية في تطور حتمي، ويعني هذا الأمر جعل البحث عن تكوين يتكيف مع منتظرات العمل والشغل في قلب الاهتمامات.

وإن الأمر الأهم في ذلك هو المرور نحو ليونة في التربية والتكوين تسمح بالأخذ بعين الاعتبار تنوع الجمهور والطلبات.وقد يترجم هذا التكيف باللجوء إلى ثلاث توجهات كبرى، أولها استقلالية الفاعلين في التكوين، وثانيها تقويم نجاعة التربية، وثالثها الأولوية المعطاة للجمهور الذي يوجد في حالة صعبة.

وقد أعطت اللجنة الأوربية المكلفة بالأنظمة التربوية الأولوية في النقاش للعناصر التالية:

1- عدم الفصل بين الثقافة العامة والتكوين الهادف إلى الشغل.

2- إعطاء الأهمية للمعارف العامة الضرورية للتحكم في المعارف المهنية المعترف بها.

3- تطوير المسالك بين المدرسة والمقاولة عن طريق تحطيم الحواجز الثقافية والإيديولوجية.

نحو الليونة الكبرى

ينبغي أن تتكيف البنيات الحالية لمؤسسات التربية والتكوين لتواجه تعددية الجمهور والحاجات.والمطلوب هو تربية وتكوين مواطن أو أجير لشغل دائم، لكن المؤسسات مازالت عصية والمحاولات معزولة، ولذلك ينبغي توريطها في المرونة للتكيف مع الطلب الاجتماعي.لكن كيف سيتم ذلك؟ إن الطريق إلى الليونة الكبرى يمر عبر المسالك التالية:

1- البحث عن الجودة

يلاحظ في التربية الأساسية التركيز على التحصيل والتحكم في كفايات أساسية مثل الكتابة والقراءة و الحساب. ثم إن تعميم اللغات ينمي في نفس الوقت التحسيس بالتكنولوجيا الإعلام.

2- البحث عن أنماط جديدة للتأهيل

ينبغي الأخذ بعين الاعتبار العلاقة الوطيدة بين التربية والتكوين المهني وتوريط المقاولات والشركاء الاجتماعيين في التكوين الأساسي و انتقال الشباب إلى الحياة النشيطة عن طريق التكوين التناوبي والاستدراك وطرح مسألة التصديق والاعتراف بالكفايات المكتسبة للنقاش لأن نظام الشهادة والدبلوم القديمين يبدوان صعبي المراس.

3- تنمية التكوين المستمر

يبدو أن فكرة الكفاية قد تعممت على مجموع التكوينات والمهن. وصارت التأهيلات لينة ومرنة وتربية الكبار بدأت تحتل مكانة هامة.وقد أثر كل ذلك في التكوين التناوبي والاتفاقات حول أوقات العمل وإمكانية إدماج بعد التكوين والتعاقدات.

4- البحث عن طرق جديدة للتمويل والتقويم

 إذن هناك طرق لا محيد عنها للنمو تتمثل حسب الكتاب الأبيض الأوربي في استقلالية الفاعلين في التربية والتكوين ويعني هذا الأمر من بين ما يعنيه إعطاء الاستقلالية الممكنة للمؤسسات الأساسية وجعل التكوين أمر متفاوض عليه بين الشركاء كالمقاولات والشعب والجهات وتداخل المهن.والطريق الثاني يتجسد في التقويم لتبرير الزيادة في تمويل التربية والتكوين. والهدف من التقويم هو تحقيق ملاءمة ممكنة للتربية والتكوين مع حاجات الجمهور المعني.

يمكن للتقويم أن يأخذ بعين الاعتبار الاستثمار الذي يمثله التكوين المستمر بالنسبة للمقاولات، ثم كذلك نفقات التعلم. والطريقة الأخيرة الجديدة تهم الاهتمام الذي يحظى به من هم في حالة صعبة من أجل إدماجهم.

إن الرهانات لولوج مجتمع المعرفة مزدوجة؛ فهي من جهة اقتصادية تتطلب تقوية التنافسية الاقتصادية في عهد العولمة. وتربوية، حيث يتطلب الأمر الرفع من مستوى التكوين وتأهيل الأجراء عن طريق التعليم وتشجيع اكتساب المعارف الجديدة طيلة الحياة. وبما أن كل شئ يبدأ من المدرسة فإن مجتمع المعرفة يجد جذوره هناك.

بناء مجتمع المعرفة

لا يشيد هذا المجتمع في لحظة واحدة، إنها سيرورة متواصلة مستمرة تبدأ بالمحاولات التالية:

1- إعطاء الأولوية لجودة التربية والتكوين في زمن المنافسة.

2- جعل التربية والتكوين يتماشيان ومنطق العرض.

3- توريط المكونين و المقاولات والسلطات المحلية في التوجهات الجديدة.

4- تعزيز ومشاركة مؤسسات التربية والتكوين في شبكات للتعاون مع فاعلين آخرين.

5- إعطاء حصص متنامية للمقاولة في التكوين والمساهمة في نشر الكفايات الجديدة التي تعود إلى تجربتها.

6- إعطاء تكوين محدد للفرد وجعله يبحث بنفسه عن تنمية تكوينه وتطويره.

ولكي تلتزم الدول الأوربية بهذه التوجهات العامة يوصي الكتاب الأبيض بمايلي:

1- تشجيع اكتساب وتحصيل المعارف الجديدة

2- خلق تقارب بين المقاولة والمدرسة للحصول على اعتراف متبادل بين ماهو أكاديمي وماهو مهني، ثم خلق مسالك بين المقاولة والمدرسة. وقد حدد الكتاب الأبيض بعض الشروط في ذلك نجملها كالآتي:

1- انفتاح التربية على عالم الشغل

2- توريط المقاولة في التكوين وليس فقط الاقتصار على مأجوريها وإنما تكوين الشباب والكبار.

3- تنمية شبكات التعاون بين المؤسسات التربوية والمقاولات.

4- محاربة التهميش

5- التحكم في ثلاث لغات أوربية على الأقل

6- تحديد الكفايات المطلوبة

7- العمل ببرانم تربوية متعددة الوسائط مثل سقراط وليوناردو وإسبري وتليماتيك إلخ...

1996(6مايو)

أقر وزراء التربية شراكة واسعة بين المؤسسات التربوية و المقاولات المختصة في البرانم التربوية.وخلال هذه الفترة صدرت وثيقة هامة عن OCDE تقول بأن الطلبة سيصبحون زبناء والمؤسسات التربوية والتكوينية كالمدارس والجامعات مثلا ستتنافس من أجل الحصول على حصة في السوق. ويجب على المؤسسات التي تمولها الدولة أن تدخل المنافسة فيما بينها وفيما بينها وبين الممولين، لذاك فإن مؤسسات التربية والتكوين مدعوة للتصرف كالمقاولة والاستجابة لتطور الطلب على برامج الدراسة، وعلى الطلبة أن يؤدوا جزئيا أو كليا أثمنة الدروس.

وقد شجعت OCDE في تقرير آخر صدر 1996 ، بل ألحت على امتلاك كل طالب حاسوبه الخاص.وشجعت على تعليم كيفية استعمال الخدمات المقدمة في هذا المجال.

1996 (23 يوليوز)

 ترى اللجنة الأوربية في الكتاب الأخضر أن أوربا تعيش مرحلة تاريخية مليئة بالتحولات التكنولوجية، مرحلة تتسم بتنمية بالتطبيق الواسع لتكنولوجيات الإعلام والاتصال.وهي سيرورة تختلف عما كان سائدا ومعروفا من ذي قبل تتميز بالسرعة الكبيرة جدا. وقد عمت البيوت وأماكن العمل مضيفة أبعادا على المجتمع على مستوى المعرفة.لهذا يطرح التقرير أسئلة ذات أهمية كبرى منها: هل سيتكيف الناس مع التغيرات الحاصلة في العمل؟ هل ستقضي التكنولوجيات على العمل كما نعرفه؟ ألم يؤثر إدخالها على تكافؤ الفرص والتفاوت بين الجهات وبين الشباب والشيوخ وعلى أصحاب المعارف من غيرهم؟. للإجابة على هذين السؤالين رأى التقرير ضرورة الحاجة إلى سياسات عمومية تساعد على قطف نتائج التقدم التكنولوجي أخذا بعين الاعتبار مايلي.

1- للتكنولوجيات تأثير على معالجة المعلومة وتحويلها وإعادة نمذجة الحياة المهنية والمقاولات التي لم تعد تسود فيها التراتبية وتنظيمات الشغل التي لم تعد ممركزة وطغيان مجتمع المعلومات.

وإن ما تحتاج إليه أوربا هو التحويل الجوهري للتربية والتكوين حتى تتمكن من اللحاق بالثورة التكنولوجية ومتابعتها، لذلك على الأنظمة التربوية أن تنتقل من التدريس إلى التعلم. والمقاولات ستقوم من جانبها باقتراح إمكانات التعلم بالممارسة.

لا يمكن أن يتحقق ذلك إلا بالتحرير السريع والكلي للاتصالات والتحفيز على استعمال التكنولوجيات الجديدة لأن مجتمع المعرفة يرتكز على الأفراد.

2- التخوف من التداعيات السلبية حول الشغل، حيث المطالبة المتزايدة على خضوع الشغل لقانون العرض والطلب (طلب تأهيل معين وكفايات معينة)، وذلك ما يتطلب تعليما بالممارسة و إعادة التغيير والإدماج بدل الطرد واستعمال التكنولوجيات في المؤسسات المدرسية ولهذا ينبغي أن تحتل التربية مكانة مركزية في السياسيات العامة والاقتصادية إن لم تكن لها الأولوية المطلقة.

2001(30نونبر -1دجنبر)

صدور المذكرة الأوربية حول التربية والتكوين مدى الحياة. وتتعلق هذه المذكرة الصادرة عن لجنة المجموعة الأوربية بتقديم الدواعي التي من شأنها أن تضع السياسات التربوية والتكوينية مدى الحياة موضع تنفيذ، وهي تستهدف مايلي:

1- يسر بلوغ تربية وتكوين دائم إن على مستوى تحصيل أو تجديد الكفايات الضرورية عالميا.

2- الاستثمار في الموارد البشرية

3- استهداف جميع وجوه التكوين مدى الحياة

4- استهداف التكوين النظامي وغير النظامي

5- تعميم التكوين مدى الحياة في أوربا كلها

6- انخراط الشركاء في تعبئة الموارد

7- تكييف عرض التربية والتكوين وتنظيم الحياة المهنية حتى يستجيب المواطنون للتربية والتكوين مدى الحياة.

8- الرفع من مستوى الدراسة والتأهيل في جميع المستويات بالموازاة مع ما يتطلبه منصب الشغل والشغل.

يتساءل التقرير عن جدوى إطلاق نقاش عام حول التربية والتكوين عن بعد، وعن جدوى جعل هذه التربية والتكوين يحظيان بالأولوية في الاتحاد الأوربي. ويرى أن أوربا دخلت عهد اقتصاد ينبني على المعارف في عالم معقد من جهة الاجتماع والسياسة وهي أمور تنعكس على الاندماج الاجتماعي، أي القدرة على إيجاد عمل والمحافظة عليه، وهو أمر يتطلب مواطنة نشيطة يرتبط وجودها بالحصول على شغل مكتمل وتحسين تنافسية أوربا والاندماج المهني وتحصيل معارف وكفايات راهنية تساعد على المساهمة في الحياة الاقتصادية والاجتماعية.

وتذكر المذكرة بالتحولات والثورة الصناعية التي تعيشها أوربا ومنها الثورة الإعلامية والبيوتكنولوجية والمبادلات والتنقلات والاتصالات مما يستدعي تحولا في اليد العاملة وطريقة عمل القطاعات الاجتماعية كالصحة والتربية. ففي هذا المجتمع المتحول، مجتمع المعرفة، يعود الدور الأساسي للأفراد أنفسهم، حيث العامل المحدد هو خلق واستغلال المعارف بشكل ناجع وذكي في مناخ لا يكف عن التطور.

والملاحظ أن المعارف التي يتلقاها الشخص في العائلة ثم في المدرسة وبعدها في التعليم الجامعي لا تدوم طويلا أو لا تصلح طيلة الحياة، وذلك ما يدعو إلى إدخال أشكال من التعلم في حياة الراشدين على شكل عرض متقطع يبدأ منذ الصغر، إنها تربية تتأسس على الجودة للجميع متبوعة بتربية وتكوين مهني أساسي، تسمح كلها للشباب باكتساب كفايات أساسية في مجتمع ينبني على المعارف. كما ينبغي تعليم الشباب تعلم التعلم وإعطاؤهم صورة إيجابية عن التكوين.

إن التعلم مدى الحياة يختلف عن التربية النظامية (التعليم النظامي الرسمي) لأنه يرمي إلى تحديد قواعد للمواطنة ذاتها، وخاصة المواطنة النشيطة منها والقدرة على الاندماج المهني بكفايات في التكنولوجيا والإعلام والتحكم في اللغات الأجنبية والثقافة التكنولوجية و عقلية المقاولة والاستعدادات الاجتماعية، وهي كفايات تشمل مجالات واسعة من المعارف وتداخل التخصصات.

ولكي نوضح هذا الجانب، واستنادا إلى المذكرة، فإن الكفايات الأساسية مسؤولة عن المشاركة النشيطة في حياة المجتمع والاقتصاد والمعرفة على مستوى سوق الشغل ومكان العمل وداخل المجموعات الواقعية والافتراضية؛ لذا ينبغي أن يتوفر الفرد على إدراك متماسك لهويته ومساره المهني. كما تسوق المذكرة كفايات أخرى مثل الثقافة الرقمية والثقة في النفس والاستقلالية والاستعداد لركوب المخاطر.بينما تتحدد الكفايات المرتبطة بروح المقاولة بقدرة الفرد على تجاوز ذاته على المستوى المهني واستعداده لتنويع أنشطة المقاولة والتكيف مع التحولات.

لا يعني التحكم في هذه الكفايات الأساسية هدف التعلم مدى الحياة كتعليم متقطع لأنه وجب استحضار أن سوق الشغل تتطلب مواصفات في تطور دائم.

لقد ارتفعت الأصوات المنادية بإدماج مضامين وكفايات جديدة في البرامج التعليمية والمدرسية والجامعية، لكن كيف سيتم ذلك؟ أولا بالتحسيس ببرنامج e-Learning المحدد تاريخ الشروع فيه في سنة 2003، وهو البرنامج الذي يقدم للتلاميذ ثقافة رقمية. إلا أن المشكل المطروح هو كيف يتم تطوير إطار أوربي لتحديد الكفايات الجديدة المذكورة أعلاه؟ ترى المذكرة وجوب استكمال التعليم الإجباري بالنسبة لجميع التلاميذ وبعد ذلك يتم المرور إلى تحسين التربية والتكوين بما فيها تربية وتكوين العمال الأكبر سنا والشغيلة بالعقود والعاطلين.وبما أن التكوين في نظر المذكرة أصبح من مطالب العمال فقد ارتأت المذكرة اقتراح حساب التكوين الشخصي أو أنظمة التأمين الكفاياتي والحث على المرونة الضرورية لمشاركة العمال في أنشطة التربية والتكوين مدى الحياة.

وفي مقابل ذلك ترى المذكرة أن الأدوار الجديدة للمدرسين والمكونين في مجتمع المعرفة ستتغير كليا ليصير المدرس وصيا ومرشدا و وسيطا.وأن أنظمة التعليم والتكوين ستقدم خدمة للأفراد والمستخدمين والمجتمع المدني برمته. ولتحسين وتحديث التكوين الأساسي والمستمر ستوضع برانم تربوية متلائمة مع المستجدات والتحولات مثل سقراط II وليوناردوII والشباب.

ولكي تبلغ التربية والتكوين مدى الحياة غايتهما وجب تقريبهما من المتعلمين محليا، وحيث ستعمل السلطات المحلية والجهوية على توفير البنيات التحتية التي لها علاقة بالتربية والتكوين مدى الحياة وروض الحضانة للأطفال الصغار والنقل المدرسي والخدمات الاجتماعية وباختصار وضع الجانب الجغرافي في الحسبان.

ولم تخف المذكرة الجانب التجاري لسوق التربية والتكوين مدى الحياة في الملحق الثاني حين تطرقت للممولين والتكاليف وإمكانات العروض. وبناء على هذا التصور سيتمثل دور أنظمة التربية والتكوين في توفير الكفايات الأساسية الضرورية لكل تلميذ والقدرة على بلوغ كفايات كونية أساسية.    

د. الحسن اللحية
د. الحسن اللحية
الحسن اللحية هو أستاذ علوم التربية ومناهج البحث، وكاتب وباحث ومترجم من المغرب. له إسهامات عديدة في المجال التربوي والفكري من خلال مؤلفاته التي تعالج قضايا التعليم والسياسة والثقافة. من بين أبرز أعماله: "مدخل إلى قراءة ماكيافللي"، "نهاية المدرسة"، "المدرسة والمقاولة"، "السياسة والخيال"، وسلسلة "بيداغوجيات"، بالإضافة إلى "معجم التربية والتكوين".... تعكس أعماله رؤيته النقدية والتحليلية للمجتمع والتربية، مما يجعله من الشخصيات المؤثرة في الفكر التربوي العربي.